معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

معترك الأقران في إعجاز القرآن - ج ٢

المؤلف:

جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي


المحقق: علي محمّد البجاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٨٨

وأنت يا محمدى أولى بمحبة الله لك ورحمته ، ونصرته ونفى الخوف عنه إن كنت محسنا ؛ قال تعالى (١) : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ). ((٢) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا).

(مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ (٣)) : أى الدالة على براءته. والضمير يعود على الملك وزليخا ، وإنما عرضت به للسجن والعذاب ؛ لأنه أيسر الأشياء ، وكانت ترجوه إن بقى. فكذلك عرض مولانا لنا أيسر الأمرين الفضل والعدل ؛ فإن عاملناه بالعقل والعدل عاملنا بالفضل ؛ لأن له فى الأمور التى يبديها ويخرجها أمرين ؛ ألا ترى إلى قصة يوسف عليه‌السلام كيف مضى عليه حين من الدهر ، وهو مشتغل ببلواه ، وغيره مشتغل به ونهواه ، حتى إن أباه بكى على فراقه وإخوته بكوا حسدا له ، وبكى يوسف على ما ابتلى به فى صغر سنه وغربته ، وبكت امرأة العزيز على محبته ، فلما كشف الله الغطاء ، وأظهر بدائع لطفه تغيّرت الأحوال فصار بكاء يعقوب وحزنه على خواتم الأمور فرحا ؛ فحكى الله عنه قوله : يا بنى ، إن الله اصطفى لكم الدين.

وأما الإخوة فإنهم رجعوا إلى الاستغفار ، وقالوا : يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين.

وأما يوسف عليه‌السلام فقال : توفّنى مسلما وألحقنى بالصالحين.

وأما زليخا فإنها قالت : الآن حصحص الحقّ.

فكيف تحزن يا محمدى على فوت الدنيا ، وأنت ترى أحوالها وزوالها واضمحلالها ، وتدّعى أنك تطلب الحقّ؟ هيهات!

__________________

(١) التوبة : ٩١

(٢) النحل : ١٢٨

(٣) يوسف : ٣٥

٥٤١

(مِنَ السِّجْنِ (١)) : إنما لم يقل من الجب ، لوجهين : أحدهما فى ذكر الجب خزى إخوته وتعريفهم بما فعلوا ؛ فترك ذكره توقيرا لهم.

والآخر أنه خرج من الجب إلى الرقّ ، ومن السجن إلى الملك ؛ فالنعمة به أكثر.

هذا يوسف لم يرد تعبير إخوته ، والمؤمن الذى أطاع مولاه أفتراه يذكره بذنوبه؟ كلّا والله لا يخزى الله النبى والذين آمنوا معه.

وقد قدمنا أن الكرامات التى كانت للنبى عليه‌السلام كانت لأمّته.

(مِنَ الْبَدْوِ (٢)) : أى من البادية ، وكانوا أصحاب إبل وغنم ، فعدّ فى النعم مجيئهم إلى الحاضرة ؛ فيفهم من مقارنة خروجه من السجن ومجيئهم من البادية شؤمها ؛ ولذا قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من بدا جفا ؛ وذلك لتركهم الجمعة ، وقلّة الإقامة بالدين ، هذا فى زمان أهل الخير والدين ، وأما فى هذا الزمان فالبادية أكثر خلاصا مع الله لقلّة حبهم فى الدنيا ، والتصنّع لأهلها ؛ وليس الخبر كالعيان ، والمشاهد لا يحتاج لبرهان.

(مِنَ الْمُلْكِ (٣)) : من للتبعيض ؛ لأنه لم يعطه الله إلا بعض ملك مصر.

(مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ (٤)) : احتجاج على صحة نبوءة نبينا ومولانا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لإخباره بالغيوب.

(محال (٥)) : مشتق من الحيلة ، فالميم زائدة ، ووزنه مفعل. وقيل معناه شديد المكر ، من قولك محل (٦) بالرجل إذا مكر به ، فالميم على هذا أصلية ،

__________________

(١) يوسف : ١٠٠

(٢) يوسف : ١٠٠

(٣) يوسف : ١٠١

(٤) يوسف : ١٠٢

(٥) الرعد : ١٣

(٦) مثلثة الحاء ، كما فى القاموس.

٥٤٢

ووزنه فعال. ويقال المحال من قولهم محل فلان بفلان إذا سعى به إلى السلطان ، وعرّضه للهلاك.

(مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١)) : أى مقدّر بقصد وإرادة ، فالوزن على هذا مستعار. وقيل المراد ما يوزن حقيقة ، كالأطعمة والذهب. والأول أحسن وأعم.

(الْمَعْلُومِ (٢)) : اليوم الذى طلب إبليس أن ينظر إليه (٣) هو يوم القيامة ، والوقت المعلوم الذى أنظر إليه هو يوم النّفخ فى الصور النفخة الأولى حين يموت من فى السموات ومن فى الأرض. وكان سؤال إبليس الإنظار إلى يوم القيامة جهلا منه أو مغالطة ، إذ سأل ما لا سبيل إليه ؛ لأنه لو أعطى ما سأل لم يمت أبدا لأنه لا يموت أحد بعد البعث ، فلما سأل ما لا سبيل إليه أعرض الله عنه وأعطاه الإنظار إلى النفخة الأولى.

(مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤)) ، أى بعد الأفعال المذكورة ، وهى الهجرة والجهاد والصبر.

(مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٥)) : أى ربّا تكلون إليه أمركم.

(مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٦)) : أى قد عذرت إلى معتذر عندى. وفى الحديث : كانت الأولى من موسى نسيانا.

(مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٧)) : أى فهما وعلما يتوصل بهما إلى معرفة الأشياء. السبب : ما يتوصل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو غير ذلك.

__________________

(١) الحجر : ١٩

(٢) الحجر : ٣٨

(٣) فى الآيتين قبلها (٣٦ ، ٣٧) : قال رب فانظرنى إلى يوم يبعثون. قال : فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.

(٤) النحل : ١١٠

(٥) الإسراء : ٢

(٦) الكهف : ٧٦

(٧) الكهف : ٨٤

٥٤٣

(مِتُّ قَبْلَ هذا (١)) : إنما تمنّت مريم الموت خوفا من إنكار قومها ، وظنهم بها [١٩٣ ا] الشر ، ووقوعهم فى ذمّها. وتمنى الموت جائز فى مثل هذا.

وليس هذا من تمنى الموت لضرر نزل بالبدن ، فإنه منهى عنه للحديث : لا يتمنى أحدكم الموت لضرر نزل به ، وليقل اللهم أحينى ما كانت الحياة خيرا لى.

وحكى أنه لما اشتد بها الموت قالت هذا.

فإن قلت : ها هى آمنة أمّ مولانا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم تجد ألما حين ولادته ، ومريم وجدت الألم؟

والجواب أن الله أجرى العادة فى هذه الدار أنه على قدر الفرح يكون التّرح ، ومريم قرّ الله عينها بعيسى ، وشاهدت معجزاته ، وظهور أمره ، فاشتدّ عليها الأمر ، وأمّ سيد الأولين والآخرين لم يكن لها منه حظّ ، ولم تشاهده ، فرفع الله عنها الألم. وقيل العطاء مقسوم على قدر البلاء ، ألا ترى إلى نوح لمّا يئس من إيمان قومه ولم يفرح بهم وآذوه استجاب الله له فيهم ، ونبيّنا علم إيمان أمّته ، واتّباع شريعته ، فاحتمل أذاهم ، ولم يدع على قومه ، فقال : اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون.

فإن قلت : قد دعا عليهم بقوله : اللهم أعنّى عليهم بسبع كسبع يوسف. وقال لما صب عليه سلى (٢) الجزور : اللهم عليك بقريش.

والجواب أنه دعا عليهم ، لأنه غضب لله ؛ إذ عادته صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصفح

__________________

(١) مريم : ٢٣

(٢) السلى : جلدة فيها الولد من الناس والمواشى ، جمعه أسلاء (القاموس).

٥٤٤

ما لم تهتك حرمته ، فيغضب لله ؛ وكان حينئذ فى الصلاة فدعا عليهم لذلك. وأيضا فإنه علم صلى‌الله‌عليه‌وسلم عدم إيمان المدعوّ عليه ، كما صح. وأما دعاؤه بالاستعانة عليهم بالجدب فللطمع فى إيمانهم ، كقوم يونس.

فتأمل يا محمّدى عناية الله فيك فى أزله ، فلا تجزع من البلايا والرزايا ، فإنما هى تطهيرات. ومقاساة البلية مقسومة على حسب الكرامة ، فكما أعد لك من النعيم المقيم ما لا عين رأت ابتلاك على حسب ما أعدّ لك. يقول تعالى : عبدى رفعت البلاء عن الملائكة فهم مخفّفون من الهموم ، ولا لهم همّ الرزق ، ولا شدة الجوع ، ولا ألم المرض ، ولا خوف العواقب ؛ لأن الجنة غير معدودة لهم.

وقد قدرت البلايا والمحن والشدائد والهموم ، وخوف زوال الإيمان عليك ؛ لأن الجنة معدودة لك ، والرؤية موعودة لأجلك ، ومقاساة البلية مقسومة على حسب القطيعة.

(مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (١)) ؛ يعنى من غير برص ولا عاهة ؛ وذلك لحكم :

منها أنه لما أتعب يده حين لطم فرعون فى حال صباه أكرم الله يده بأن جعلها بيضاء. وكذلك الخليل أتعب يده بكسر الأصنام فأكرمه الله بإحياء الطيور على يديه. وكذلك النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتعب يده برمى التراب فى وجوه الكفار فأكرمه الله بانشقاق القمر بإشارته ، ونبع الماء من بين أصابعه.

فالمؤمن الذى يكرم يده بمدها فى الطاعة أفتراه لا يكرمها الله بأخذ كتابه

__________________

(١) طه : ٢٢

٥٤٥

وتزيينه بأساور من فضة. وإذا أتعب رجله بالمشى إلى الجماعة يكرمه بخمود النار تحت قدميه ؛ فتقول له : جز يا مؤمن ، قد أطفأ نورك لهبى.

وكذلك إذا أتعب قلبه فى ردّ وساوس الشيطان يكرمه الله تعالى بنور معرفته ومحبّته.

ولما أكرم تعالى يد موسى بنور النبوة لم تحترق ، ولو احترقت لم تكن معجزة ؛ وكذلك إسماعيل لما كان نور المصطفى فى وجهه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يعمل فيه السكين ، وأكرمه الله بنور الحبيب الكريم ، وفداه بالذبح العظيم ، وحرم عليه العذاب الأليم.

وكذلك العبد إذ أكرمه الله بنور المعرفة والإيمان نجّاه من النيران وحرم عليه القطع والهجران.

ولما كانت يده حجة على فرعون حفظها الله من النار كى لا تبطل حجّته ، كذلك المعرفة حجّتك على الكافرين ، فسله أن يحفظ حجتك من الزوال.

ومنها أنّ الله تعالى أراه منّته وهيبته فحفظ يده من النار كى يرى منته ، وأحرق لسانه بالجمرة كى يرى هيبته ؛ كذلك قصة امرأة عمران قالت (١) : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) ، فولدت أنثى كى لا تصلح لتمام الخدمة التى أضمرت فى نفسها ، لترى هيبته بذلك ، فتقبّلها ربها بنقصانها لترى منته.

كذلك قصة الخليل لما قيّد [١٩٣ ب] ورمى فى النار احترق قيده ولم تحترق يده ؛ ليرى هيبته ثم يرى منّته ، كذلك العبد يوقعه الله فى المعصية ثم يحفظ

__________________

(١) آل عمران : ٣٥

٥٤٦

قلبه من الشرك والنكرة (١) لينظر العبد إلى المعصية ، فيرى هيبته ، ثم ينظر إلى معرفته فيرى منّته ، ويبقى مع مولاه فى رؤية المنة ورؤية الهيبة.

ومنها أنه أخذ الجمرة بإلهام الله وإذن الملك ، ووضعها فى فمه باختيار نفسه دون أمر ربه ، فاخترق لسانه ، وكذلك العبد يعصى بنفسه ، واختيار هواه ، ثم يخاف ربّه ويندم بقلبه فتذوب نفسه ، فيأمر ربّه بإدخاله النار ، ويحفظ قلبه من ألم الهجران.

(مِساسَ (٢)) : هذا من كلام موسى للسامرى ، عاقبه بأن منع الناس من مخالطته ومجالسته ومواكلته ومكالمته ، وجعل له مع ذلك أن يقول طول حياته : لا مساس ؛ أى لا مماس ولا إذاية.

وروى أنه كان إذا مسّه أحد أصابته الحمّى له وللذى مسه ، فصار هو يبعد عن الناس ، وصار الناس يبعدون عنه ؛ وهذه كانت عقوبته.

والصحيح أنه تاب فقبل الله توبته.

وروى أن موسى همّ بالدعاء عليه ، فنهاه الله عن ذلك ، فقال : لم يا رب؟ فقال : لسخائه.

(مشكاة (٣)) : كوّة غير نافذة بلغة الحبشة ؛ قاله مجاهد ؛ وإنما وصفها بذلك لأن المصباح فيها شديد الإضاءة.

وقيل : المشكاة الذى يكون المصباح على رأسه. والأول أصح وأشهر.

__________________

(١) النكرة : خلاف المعرفة (القاموس).

(٢) طه : ٩٧

(٣) النور : ٣٥

٥٤٧

(مِسْكٌ (١)) : ذكر الثعالبى أنه فارسى ، وهو دم مجتمع فى عنق الظبى الذى تبع آدم يبكى عليه ، فأكرمه الله بالمسك.

وأنت يا عبد الله إن تتبعت أمره يكرمك بالجنة التى فيها أنواع اللذات والطيبات من الروائح ، وتشرب من مائه ، ختامه مسك.

(مِصْباحٌ (٢)) : هو الفتيل بناره. والمعنى أنه قنديل من زجاج ؛ لأن الضوء فيه أزهر ؛ لأنه جسم شفاف.

والمعنى أن صفة نور الله فى وضوحه كصفة مشكاة فيها مصباح على أعظم ما يتصوّره البشر من الإضاءة ؛ وإنما شبهه بالمشكاة ، وإن كان نور الله أعظم ؛ لأن ذلك غاية ما يدركه الناس من الأنوار.

(مِنْسَأَتَهُ (٣)) ؛ أى عصاته بلغة الحبشة ، وقرئت بالهمز وبغير همز.

وقصّتها أنّ سليمان عليه‌السلام دخل قبة من قوارير ، وقام يصلّى متكئا على عصاه ، فقبض الله روحه ، وهو متكئ عليها ؛ فبقى كذلك سنة لم يعلم أحد بموته حتى سلّط الله عليها (٤) دابّة الأرض وهى السوسة. واختصرنا كثيرا مما نقله الناس لعدم صحته.

وحكمة ذلك أن الجن كانت تدّعى علم الغيب ، فتخبر الناس ؛ فرد الله ذلك القول بقوله تعالى (٥) : (تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ). فعلم الغيب لا يطّلع عليه إلا الله ، ومن يرد الله أن يعلمه من نبى أو صديق.

__________________

(١) المطففين : ٢٦

(٢) النور : ٣٥

(٣) سبأ : ١٤

(٤) أى على العصا.

(٥) سبأ : ١٤

٥٤٨

ورضى الله عن السيد الذى دخل على بعض الملوك فوجده مهموما ، فقال : مالك؟ فقال : رأيت ملك الموت ، فاختبرته عما بقى من أجلى ، فأشار لى بأصابعه الخمس ؛ فلا أدرى أخمس ساعات أو أيام أو جمعات أو أشهر أو سنين؟ فقال له : أشار لك إلى أنّ الخمس التى انفرد الله بعلمها فى قوله تعالى (١) : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ...) الآية.

فإذا كان ملك الموت الموكّل بقبض الأرواح لا يعلم أجل شخص حتى يؤمر بقبض روحه فكيف يطّلع الغير على الغيوب؟

ولهذا أبطل العلماء ما يدعونه (٢) أهل البطالة من الاطلاع على الغيوب ، ويستدلّون عليه بأمارات باطلة.

(مِيعادُ يَوْمٍ (٣)) : يعنى يوم القيامة أو نزول العذاب بهم فى الدنيا ، وهو الذى سألوا عنه على وجه الاستخفاف.

(مِرَّةٍ (٤)) : أى ذو قوة ، أو ذو هيئة حسنة. والأول هو الصحيح فى اللغة. وقيل : مرة أى محكم الفتل.

(مرصاد ، أو مَرْصَدٍ (٥)) : طريق وانتظار ؛ أى تنتظر الكفّار ليدخلوها. وقيل معناه طريقا للمؤمنين يجوزون عليها إلى الجنة ؛ لأن الصراط منصوب على متن جهنم.

وأما قوله تعالى (٦) : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) ؛ فهو عبارة على أنه تعالى

__________________

(١) لقمان : ٣٤ ، وبقيتها : وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس ما ذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأى أرض تموت ـ فالخمسة فيها ظاهرة.

(٢) هذا بالأصلين : ١ ، ب.

(٣) سبأ : ٣٠

(٤) النجم : ٦

(٥) النبأ : ٢١ ، التوبة : ٥

(٦) الفجر : ١٤

٥٤٩

حاضر بعلمه فى كل مكان وكلّ زمان ، ورقيب على كل إنسان ، وأنه لا يفوته أحد من الجبابرة والكفار. وفى ذلك تهديد لكفّار قريش وغيرهم.

وقد كتب بعض الفضلاء لمن هدده : فيا للعجب ذبابة تطنّ [١٩٤ ا] فى أذن الفيل أم بعوضة تعدّ فى التماثيل؟ وستندم على ما حدّثتك نفسك من أمانى كاذبة ، وخيالات غير صائبة ؛ فإن الجواهر لا تزول بالأعراض ، كما أن الأرواح لا تعنّى بالأمراض ؛ فسبحان الله! كم بين قوى وضعيف ، ودنىء وشريف ؛ فإن عدنا إلى الظواهر المحسوسات ، وعدلنا عن البواطن المعقولات ، قلنا أسوة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حيث قال : «ما أوذى نبىّ بمثل ما أوذيت ، فكانت العاقبة لله ولرسوله وللمؤمنين ؛ فإذا وقفت على كتابنا هذا فكن من أمرنا بالمرصاد ، واتل أوّل النحل وآخر ص (١)».

(ما) : اسمية وحرفية ؛ فالاسمية ترد موصولة بمعنى الذى نحو (٢) : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ). ويستوى فيها المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع.

والغالب استعمالها فيما لا يعلم ، وقد تستعمل فى العالم ؛ نحو (٣) : (وَالسَّماءِ وَما بَناها). ((٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) ؛ أى الله.

ويجوز فى ضميرها مراعاة اللفظ ؛ واجتمعا فى قوله (٥) : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ).

وهذه معربة بخلاف الباقى.

__________________

(١) أول النحل : أتى أمر الله فلا تستعجلوه. وآخر ص قوله تعالى : ولتعلمن نبأه بعد حين.

(٢) النحل : ٩٦

(٣) الشمس : ٥

(٤) الكافرون : ٣

(٥) النحل : ٧٣

٥٥٠

واستفهامية بمعنى أى شىء ؛ ويسأل بها عن أعيان ما لا يعقل وأجناسه وصفاته ، وأجناس العلماء وأنواعهم وصفاتهم ؛ نحو : ما هى. ما لونها. ما ولّاهم. ((١) ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى). وما الرحمن. ولا يسأل بها عن أعيان أولى العلم ، خلافا لمن أجازه.

وأما قول فرعون : وما ربّ العالمين ـ فإنما قاله جهلا ؛ ولهذا أجابه موسى بالصفات. ويجب حذف ألفها إذا جرّت ، وإبقاء الفتحة دليلا عليها ، فرقا بينها وبين الموصولة ؛ نحو : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ). ((٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها). ((٣) لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ). (بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ).

وشرطية نحو (٤) : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها). ((٥) وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ). ((٦) فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ).

وهذه منصوبة بالفعل بعدها.

وتعجبية نحو (٧) : (ما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ). (٨) (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ). ولا ثالث لهما فى القرآن إلا فى قراءة سعيد بن جبير : ما أغرك بربك الكريم.

ومحلّها فى رفع الابتداء وما بعدها خبر ، وهى نكرة تامة.

ونكرة موصوفة ؛ نحو (٩) : (بَعُوضَةً فَما فَوْقَها). ((١٠) نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) ؛ أى نعما شىء يعظكم. وغير موصوفة نحو : ((١١) فَنِعِمَّا هِيَ).

__________________

(١) طه : ١٧

(٢) النازعات : ٤٣

(٣) الصف : ٢

(٤) البقرة : ١٠٦

(٥) البقرة : ١٩٧

(٦) التوبة : ٧

(٧) البقرة : ١٧٥

(٨) عبس : ١٧

(٩) البقرة : ٢٦

(١٠) النساء : ٥٨

(١١) البقرة : ٢٧١

٥٥١

والحرفية ترد مصدرية إما زمانية ؛ نحو (١) : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ؛ أى مدة استطاعتكم.

أو غير زمانية ؛ نحو (٢) : (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ) ، أى بنسيانكم.

ونافية إما عاملة عمل ليس ؛ نحو (٣) : (ما هذا بَشَراً). ((٤) ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ). ((٥) فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ). ولا رابع لها فى القرآن.

أو غير عاملة ؛ نحو : (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ). (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ). قال ابن الحاجب : وهى لنفى الحال. ومقتضى كلام سيبويه أنّ فيها معنى التأكيد ؛ لأنه جعلها فى النفى جوابا لقد فى الإثبات ؛ فكأنما قد فيها معنى التأكيد ، فكذلك ما جعل جوابا لها.

وزيادة للتأكيد إما كافة ؛ نحو : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ). (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ). ((٦) كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً). (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا).

وغير كافّة نحو : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ). (أَيًّا ما تَدْعُوا (٧) أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ). (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ). (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ). (مَثَلاً ما بَعُوضَةً).

قال الفارسى : جميع ما فى القرآن من الشرط بعد إما مؤكد بالنون لمشابهته فعل الشرط بدخول ما للتأكيد لفعل القسم من جهة أن ما كاللام فى القسم ، لما فيها من التأكيد.

وقال أبو البقاء : زيادة ما مؤذنة بإرادة شدة التأكيد.

__________________

(١) التغابن : ١٦

(٢) السجدة : ١٤

(٣) يوسف : ٣١

(٤) المجادلة : ٢

(٥) الحاقة : ٤٧

(٦) يونس : ٢٧

(٧) القصص : ٢٨

٥٥٢

فائدة

حيث وقعت ما قبل ليس أو لم أولا أو بعد إلّا فهى موصولة ، نحو : (ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ). (ما لَمْ يَعْلَمْ). (ما لا تَعْلَمُونَ). (إِلَّا ما عَلَّمْتَنا).

وحيث وقعت بعد كاف التشبيه فهى مصدريّة. وحيث وقعت بعد الباء فإنها تحتملهما ؛ نحو : (بِما كانُوا يَظْلِمُونَ). وحيث وقعت بين فعلين سابقهما علم أو دراية ، أو نظر ، احتملت الموصولة والاستفهامية نحو (١) : (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ). ((٢) ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ). ((٣) وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ).

وحيث [١٩٤ ب] وقعت فى القرآن قبل إلا فهى نافية ؛ إلا فى ثلاثة عشر موضعا : ((٤) مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما). ((٥) فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ). ((٦) بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ). ((٧) ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ). ((٨) وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ). ((٩) وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي). ((١٠) فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ). ((١١) ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) فى موضعى (١٢) هود. ((١٣) فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا). ((١٤) ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا). ((١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ). ((١٦) وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ) حيث (١٧) كان.

__________________

(١) البقرة : ٣٣

(٢) الأحقاف : ٩

(٣) الحشر : ١٨

(٤) البقرة : ٢٢٩

(٥) البقرة : ٢٣٧

(٦) النساء : ١٩

(٧) النساء : ٢٢

(٨) المائدة : ٣

(٩) الأنعام : ٨٠

(١٠) الأنعام : ١١٩

(١١) هود : ١٠٧ ، ١٠٨

(١٢) انظر الهامش السابق.

(١٣) يوسف : ٤٧

(١٤) يوسف : ٤٨

(١٥) الكهف : ١٦

(١٦) الحجر : ٨٥ ، وغيرها.

(١٧) أى حيث كان هذا التعبير فى آيات القرآن.

٥٥٣

(ما ذا) : ترد على أوجه :

أحدها : أن تكون ما استفهامية وذا موصولة ، وهو أرجح الوجهين فى : ((١) وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) ـ فى قراءة الرفع ؛ أى الذى ينفقونه العفو ؛ إذ الأصل أن تجاب الاسمية بالاسمية ، والفعلية بالفعلية.

الثانى : أن تكون ما استفهامية وذا إشارة.

الثالث : أن يكون (ما ذا) كله استفهاما على التركيب ، وهو أرجح الوجهين فى : ما ذا ينفقون قل العفو ـ فى قراءة النصب ؛ أى ينفقون العفو.

الرابع : أن يكون ما ذا كله اسم جنس ، بمعنى شىء ، أو موصولة بمعنى الذى.

الخامس : أن تكون ما زائدة ، وذا للإشارة.

السادس : أن تكون ما استفهاما ، وذا زائدة. ويجوز أن يخرج عليه (٢).

(مَتى) : ترد استفهاما على الزمان نحو متى نصر الله.

وشرطا نحو : [متى أضع العمامة تعرفونى](٣).

(مَعَ) : اسم بدليل جرها بمن فى قراءة بعضهم : ((٤) هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) ؛ وهى فيها بمعنى عند. وأصلها لمكان الاجتماع ، أو وقته نحو (٥) : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ). ((٦) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً (٧) لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ).

__________________

(١) البقرة : ٢١٩

(٢) هذا بالأصلين.

(٣) مكان ما بين القوسين بياض بالأصلين. والمثبت فى المغنى : ٢ ـ ٢٠

(٤) الأنبياء : ٢٤

(٥) يوسف : ٣٦

(٦) يوسف : ١٦

(٧) يوسف : ٦٦

٥٥٤

وقد يراد به مجرد الاجتماع والاشتراك من غير ملاحظة الزمان والمكان ؛ نحو. (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ). (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ). وأما نحو : إنّى معكم. إنّ الله مع الّذين اتقوا. وهو معكم أين ما كنتم. إنّ معى ربّى سيهدين ـ فالمراد الحفظ والعلم والمعونة مجازا.

قال الراغب (١) : والمضاف إليه لفظ مع هو المنصور ، كالآيات المذكورة.

(مِنْ) حرف جر ، له معان ؛ أشهرها ابتداء الغاية ، مكانا وزمانا وغيرهما ؛ نحو : من المسجد الحرام. من أوّل يوم. إنه من سليمان.

والتبعيض بأن تسدّ «بعض» مسدّها ، نحو (٢) : (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ). وقرأ ابن مسعود بعض ما تحبّون.

والتبيين ؛ وكثيرا ما تقع بعد ما ومهما ، نحو : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ). (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ). (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ).

ومن وقوعها بعد غيرهما (٣) : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ). ((٤) أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ).

والتعليل (٥) : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا). ((٦) يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ).

والفصل بالمهملة وهى الداخلة على ثانى المتضادّين ، نحو (٧) : (يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ). ((٨) لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ).

__________________

(١) المفردات : ٤٧٠

(٢) آل عمران : ٩٢

(٣) الحج : ٣٠

(٤) الكهف : ٣١

(٥) نوح : ٢٥

(٦) البقرة : ١٩

(٧) البقرة : ٢٢٠

(٨) الأنفال : ٣٧

٥٥٥

والبدل ؛ نحو (١) : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) ؛ أى بدلها. ((٢) لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) ؛ أى بدلكم.

وتنصيص العموم ؛ نحو (٣) : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ). قال الكشاف (٤) : هو بمنزلة البناء [على الفتح](٥) فى لا إله إلا الله فى إفادة معنى الاستغراق.

ومعنى الباء : ((٦) يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) ؛ أى به.

وعلى ؛ نحو : ونصرته من القوم ؛ أى عليهم.

وفى ؛ نحو : إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة ؛ أى فيه.

وفى الشامل ، عن الشافعى : أن من فى قوله : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) بمعنى فى ؛ بدليل قوله : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ).

وعن ؛ نحو : (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) ؛ أى عنه.

وعند ، نحو (٧) : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ) ؛ أى عنده.

والتأكيد ؛ وهى الزائدة فى النفى ، أو النهى أو الاستفهام (٨) ؛ نحو (٩) : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها). ((١٠) ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ). وأجازها قوم فى الإيجاب ، وخرجوا عليه : ((١١) وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ). ((١٢) يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ). ((١٣) مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ). ((١٤) يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ).

__________________

(١) التوبة : ٣٨

(٢) الزخرف : ٦٠

(٣) آل عمران : ٦٢

(٤) الكشاف : ١ ـ ١٤٨

(٥) من الكشاف.

(٦) الشورى : ٤٥

(٧) آل عمران : ١٠

(٨) فى المغنى : أو استفهام بهل.

(٩) الأنعام : ٥٩

(١٠) الملك : ٣

(١١) الأنعام : ٣٤

(١٢) الكهف : ٣١

(١٣) النور : ٤٣

(١٤) النور : ٣٠

٥٥٦

فائدة

أخرج ابن أبى حاتم من طريق السدّى ، عن ابن عباس ، قال : لو [١٩٥ ا] أنّ إبراهيم حين دعا قال : اجعل أفئدة الناس تهوى إليهم لازدحمت عليه اليهود والنصارى ، ولكنه خص حين قال : أفئدة من الناس ، فجعل ذلك للمؤمنين.

وأخرج عن مجاهد ، قال : لو قال إبراهيم : فاجعل أفئدة الناس تهوى إليهم لزاحمتكم عليهم الروم وفارس ؛ وهذا صريح فى فهم الصحابة والتابعين التبعيض من «من». وقال بعضهم : حيث وقعت يغفر لكم فى خطاب المؤمنين لم تذكر معها من ، كقوله فى الأحزاب (١) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ). وفى الصف (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ ...) الآية. إلى قوله : يغفر لكم ذنوبكم. وقال فى الكفار فى سورة نوح : يغفر لكم من ذنوبكم ، وكذا فى سورة الأحقاف ؛ وما ذلك إلا للتفرقة بين الخطابين لئلا يسوّى بين الفريقين فى الوعد. ذكره فى الكشاف.

(مَنْ) بالفتح : لا تقع إلا اسما ؛ فترد موصولة كما قدمنا مرارا ، كقوله : ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته. وشرطية نحو : من يعمل سوءا يجز به. واستفهامية نحو : من بعثنا من مرقدنا. ونكرة موصوفة : ومن الناس من يقول ؛ أى فريقا يقول. وهى كما فى استوائها فى المذكر والمفرد وغيرهما.

والغالب استعمالها فى العاقل ، عكس ما. ونكتته أن «ما» أكثر وقوعا فى الكلام منها ، وما لا يعقل أكثر ممن يعقل ، فأعطوا ما كثرت

__________________

(١) الأحزاب : ٧٠

(٢) الصف : ١٠

٥٥٧

مواقعه للتكثير. وما قلّت للتقليل ، للمشاكلة ؛ قال الأنبارى : واختصاص من بالعاقل وما بغيرها فى الموصولين دون الشرط ؛ لأن الشرط يستدعى الفعل ولا يدخل على الأسماء.

(مَهْما) : اسما يعود الضمير عليها فى : ((١) مَهْما تَأْتِنا بِهِ). قال الزمخشرى (٢) : عاد عليها ضمير به وضمير بها حملا على اللفظ ، وعلى المعنى. وهى شرط لما لا يعقل غير الزمان كالآية المذكورة ، وفيها تأكيد ؛ ومن ثم قال قوم : إن أصلها ما الشرطية وما الزائدة ، أبدلت ألف الأولى هاء دفعا للتكرار.

__________________

(١) الأعراف : ١٣٢

(٢) الكشاف : ١ ـ ٣٤٣

٥٥٨

حرف النّون

(نُوحٍ عليه‌السلام) : من أولاد آدم عاش بعد الطوفان ستين سنة ، وبعثه الله بعد إدريس ، وهو أول من صنع السفينة بأمر الله ، وكانت سبب نجاته ومن آمن به ، وتنسلت الخلق من أولاده : سام ، وحام ، ويافث ؛ ولذلك يقال له آدم الأصغر ؛ لأن المؤمنين الذين كانوا معه فى السفينة انقرضوا ، وكان اسمه يشكر فمرّ على كلب ميت فجعل يده على أنفه ، وقال : ما أقبح رائحته ؛ فقال له جبريل : يقول لك ربك اخلق أنت من هو أحسن رائحة منه ، فبكى على ذلك أربعين سنة. فقال له جبريل : يا نوح ، كم تنوح! يكفيك من هذا النوح.

فانظر هذه السياسة العظيمة ، والوعيد الهائل مع أنبيائه وأصفيائه من خلقه ، قال تعالى (١) : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ) ؛ وكان فى احتمال المشقة من قومه غاية حتى ضاق ذرعه منهم ، ودعا عليهم ؛ فأجاب الله دعاءه ، ونجّاه ومن معه ، وسلم عليه فى قوله (٢) : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ). ((٣) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا).

(نبيئا) : مشتق من الإنباء ، وهو الإخبار ؛ لقوله تعالى (٤) : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ). ((٥) نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ).

__________________

(١) آل عمران : ٣٣

(٢) الصافات : ٧٩

(٣) هود : ٤٨

(٤) آل عمران : ٤٤

(٥) يوسف : ٣٦

٥٥٩

وقيل هى مشتقة من الرفعة والتفضيل ؛ لقوله تعالى (١) : (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا). ومنه الحديث : كنت نبيئا وآدم بين الماء والطين ، يعنى علمه سبحانه. فأمّا أن يكون نبيئا حقيقة وهو غير موجود فلا يتصوّر ؛ لأن كونه نبيئا يدل على وجوده عليه الصلاة والسلام ، وكلّ نبىء مخبر ، وليس كل مخبر نبىء ؛ إذ لا يجوز استعمال هذا الاسم فى غير الأنبياء ، وإن كان المخبر صادقا.

(نَظَرَ) : له معنيان من النظر ، والانتظار ؛ ومن الانتظار يتعدّى بغير حرف. ومن نظر العين يتعدى بإلى ، ومن نظر القلب يتعدّى بفى.

(أَنْداداً (٢)) : جمع ند ، وهو المضاهى والمماثل والمعاند ؛ والمراد به هنا الشركاء المعبودون مع الله ؛ والمقصود الأعظم منها الأمر بتوحيد الله ، وترك ما عبد من دونه ، وذلك [١٩٥ ب] هو الذى يترجم عليه بقولنا : لا إله إلا الله ؛ فيقضى ذلك الأمر بالدخول فى دين الإسلام الذى قاعدته التوحيد ، وقول لا إله إلا الله الذى تنزّهت عن سمة الحديث ذاته ، ودلّت على وحدانية آياته ؛ الأول الذى لا بداية لأزليته ، الآخر الذى لا نهاية لسرمديّته ، الظاهر الذى لا شك فيه ، الباطن الذى ليس له شبيه ، كلم موسى بكلامه القديم المنزّه عن التأخير والتقديم لا بصوت يقرع ، ولا بنداء يسمع ، ولا بحروف ترجع ، كل الحروف والأصوات والنداء محدثة بالنهاية والابتداء ، جلّ ربنا وعلا وتبارك وتعالى.

(نَكالاً (٣)) : عقوبة لما تقدم من ذنوبهم وما تأخّر. وقيل عبرة لمن تقدم وتأخر ؛ والمراد بهم فى البقرة أصحاب السّبت ؛ ليتعظ بهم من يأتى بعدهم. وأما قوله تعالى (٤) : (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى). فالمعنى أنه غرقه

__________________

(١) مريم : ٥١

(٢) البقرة : ٢٢

(٣) البقرة : ٦٦

(٤) النازعات : ٢٥

٥٦٠